ارتفعت بنسبة 41 بالمائة: هجرة الأدمغة تتواصل.. وتونس أمام خطر “فقر” معرفي

ارتفعت نسبة الكفاءات المهاجرة في تونس بنحو 41 بالمائة مقارنة بالسنة الفارطة، حيث بلغ عدد المنتدبين لدى وكالة التعاون الفني 2822 منتدبا (من جانفي إلى نوفمبر 2018) مقابل 2002 منتدبا مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن تونس شهدت خلال السنوات الأخيرة هجرة حوالي 94 ألف كفاءة إلى الخارج منهم 8500 كفاءة في مجال التعليم العالي، 10 بالمائة منهم من النساء، ويتوزعون على النحو التالي 2300 أستاذ باحث ومثلهم مهندسون إضافة إلى 1000 طبيب وصيدلي و450 تقنيا والبقية اختصاصات أخرى.

 الجامعيون في صدارة المهاجرين

في سياق متصل ذكر تقرير أنجزه مؤخرا المرصد الاجتماعي التونسي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا في هجرة الكفاءات العلمية بعد سوريا، حيث سجلت وزارة التعليم العالي خلال السنوات الست الماضية مغادرة قرابة 100 ألف كفاءة تونسية، 84 بالمائة منها هاجرت إلى أوروبا.

وأفاد التقرير أن الأساتذة الجامعيون والباحثون يتصدرون ترتيب المهاجرين بنسبة 24 بالمائة، ثلثهم هاجر بعد سنة 2011.

ولم تقتصر هجرة الأدمغة على الأساتذة الجامعيين والباحثين فقط وإنما شملت أيضا المهندسين والأطباء فقد عرفت أعداد المهاجرين منهم ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة.  وحسب المرصد فإن معدل الأطباء التونسيين الذين يهاجرون حسب الأرقام المسجلة بين سنتي 2013 و2017 هو بين 50 و60 طبيبا شهريا، ومن المتوقع أن يكون عددهم 900 في سنة 2019.

أسباب الهجرة

وبناء على ما تقدم من أرقام ونسب نلاحظ أن نسق هجرة الأدمغة أخذ منحى تصاعديا ينذر بكارثة في الأفق إن لم تتحرك الدولة وتسعى إلى وقف هذا النزيف.

ومن أسباب الهجرة أن اختصاصات كالهندسة والطب والبحث العلمي والتعليم الجامعي والقضاء تلقى رواجا في الخارج، إضافة إلى ذلك فإن الاغراءات المادية المعروضة من المؤسسات المنتدبة في ظل الرواتب المتدنية في تونس تشجع على الهجرة، وعلى سبيل المثال ذكر تقرير لعمادة المهندسين أن معدل أجور المهندسين في الأردن يساوي ضعف الأجور في تونس، وفي بلدان الاستقطاب مثل فرنسا وبلجيكيا وكندا يساوي الأجر ستة أضعاف ونصف الأجر في تونس.. إضافة إلى المناخ العلمي المريح والمتطور الذي تنتجه بلدان الإقامة للباحثين وما يتوفر فيه وسائل البحث العلمي، وتأثير المحيط الاجتماعي وخاصة الأولياء في أبنائهم من الكفاءات بدفعهم إلى الهجرة بهدف ضمان مستقبلهم، وكل ذلك يضاف إلى عامل ارتفاع نسب بطالة حاملي الشهائد العليا.

ويرى عدد من الخبراء أن هجرة الكفاءات التونسية قد تكثفت بمقتضى عدة اتفاقيات منها اتفاقية الشراكة من أجل الحركية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي في مارس 2014 تزامنا مع اعتماد برنامج العمل التونسي الأوروبي الذي فتح المجال للمفاوضات بشأن اتفاق التبادل الحر المعمق والشامل الذي يرمي إلى إرساء مبدآ الهجرة الانتقائية بحيث يتم تيسير منح تأشيرة الإقامة طويلة الأمد والعمل لفائدة الطلبة أو الكفاءات العلمية والطبية التي تحتاج إليها أوروبا مقابل تضييق الخناق على الهجرة غير النظامية وإلزامها بالعودة إلى تونس.

حلول سريعة لمجابهة “التصحر” المعرفي

وأمام تواصل هجرة كفاءاتنا إلى الدول المستقطبة التي توفر مناخا أفضل للعمل ورواتب مغرية… هل نقف موقف المتفرج حتى “نفاد” تلك الأدمغة من السوق المحلية؟ أم نكتفي بالدعاء أن لا تنضب هذه العملة النادرة؟ هل من حلول لهجرة الأدمغة؟

ويرى الخبراء أنه يمكن الاستفادة من الكفاءات المهاجرة من خلال ربط الصلة بهم حتى يتم نقل المهارات التكنولوجية المتطورة إلى مراكز البحث في تونس للمساهمة في التنمية الوطنية، مع العمل على وقف النزيف الذي سيؤدي إلى تصحر الساحة العلمية من نخبها.

وينبغي على الدولة تغيير سياساتها المعتمدة في مجال البحث العلمي والتكنولوجي والعمل على بعث أقطاب للبحث العلمي والتجديد التكنولوجي ودعم التعليم الجامعي وتطويره وإعطاء الكفاءات المكانة التي يستحقونها من الناحية العلمية ودعم بحوثهم وفتح المجال أمامهم للإبداع والترفيع في أجورهم.

هجرة الأدمغة ليست بالمسألة الهينة واستمرار النزيف يعني ضرب الاقتصاد الوطني وتعطيل للتنمية وتصحر الساحة العلمية من نخبها ليحل محلها أشباه العلماء، فهذه الكفاءات من شأنها أن تفتح آفاقا علمية وتكنولوجية وبنى اقتصادية جديدة تساعد على تجاوز إشكاليات الوضع الراهن الذي تعيشه البلاد.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.